ليلة رأس السنة.. صلاة وقرآن ومناجاة

ليلة رأس السنة.. صلاة وقرآن ومناجاة
"دعونا نناجِ الله في ليلة رأس السنة، التي ينشغل الناس فيها بالمعاصي، ونستغفره لكل ما مضى، وندعُه أن يبارك لنا في 2010". تعليق كتبته "جهاد مرسي" العضو في (جروب) مجموعة "حاسب نفسك في رأس السنة" على (فيس بوك) معبرة عن تأييدها للدعوة التي وصلتها من أصدقاء لها في نفس الجروب.

وهي واحدة فقط من بين عشرات من الحملات والمجموعات، حمل بعضها عناوين من قبيل: (العبادة في الهرج كهجرة إلى الله)، و(بدل المعاصي والذنوب في ليلة رأس السنة.. هنقوم الليل الساعة 12)، (اختم عامك بالاستغفار والصيام والصدقة.. قبل طي الصحائف)، نظمها مسلمون أغلبهم من الشباب، قبل قدوم العام الميلادي الجديد بأيام، لحث المسلمين على الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء والاستغفار الساعة الثانية عشر يوم 31 ديسمبر، بهدف إحياء ليلة رأس السنة في أجواء إيمانية ربانية.

وداخل إحدى المجموعات العربية على موقع "فيس بوك" للتواصل الاجتماعي انطلقت حملة (بداية.. حملة لتغيير سلوكياتنا)، حيث قال أحد الأعضاء المشاركين: "إن شاء الله كلنا هنقوم الساعة 12 ليلة رأس السنة ونصلي ركعتين، أو نقرأ قرآن ونذكر الله وندعوه بما تيسر"، والسبب في ذلك "أن العالم كله سيكون في هذا الوقت منغمسا في المعاصي، ويجب ألا ينساق المسلمون وراء الملذات، بل يجب أن يكونوا على الطاعة في هذا التوقيت".

ورغم أن صاحب الدعوة طالب الأعضاء بإرسالها إلى كل المسجلين في بريدهم الإلكتروني، حيث تفاعل الكثير مع دعوته، مؤكدين أنهم سيقومون بتلبيتها، فإن البعض الآخر رأوا في تعليقات لهم أن تخصيص هذه الليلة بالقيام أمر "قد يكون فيه بدعة"، خاصة وأن فتاوى العلماء تشير إلى بدعة تخصيص يوم معين لم يخصصه الشرع بعبادة معينة، ومن الأفضل حال ظهور المنكرات الدعوة إلى هجرها وتركها، أو مقاطعة وهجر فاعلها لإشعاره بالمنكر.

الحملة كررها آخرون على عدد من المجموعات أطلقوا على إحداها "حملة هانسجد رأس السنة وكل أيام السنة.. ومش هانعصي ربنا"، الذي انضم إليه 32 ألف عضو، حيث بدأت الحملة بكلمة افتتاحية جاء فيها "كلنا عارفين ليلة رأس السنة، وما أدراكم ما ليلة رأس السنة، علشان كده ربنا وفقنا لفكرة أننا وقت ما كثير من الناس بتعصي ربنا، وتدق الساعة 12، احنا في نفس اللحظة نكون ساجدين لربنا، ونستغفره عن كل اللي بيحصل في الدنيا وقتها من معاصي".

وانتهت بالتأكيد على تفعيل الدعوة بالقول: "شاركونا لنجتمع سويا على طاعة الله".

لاقت الدعوة قبولا كبيرا لدى الأعضاء، فعلقت إحدى العضوات تدعى (عبير محمد)، بالقول: "ما أجمل أن تنتهي سنة وتبدأ سنة ونحن ساجدون لله"، بينما قال (محمد أسامة) : "إن شاء الله سنحيي ليلة رأس السنة بالقرآن والصلاة حتى ينظر الله إلينا فيجدنا على طاعته بينما يحتفل آخرون بالشروع في المعاصي"، أما (عثمان) فقال: "سوف نكون بين يد الله في الوقت الذي يلهو فيه أناس آخرون في الفنادق والحفلات التي لا تغني من جوع".

فعادة ما تشهد بعض دول وبلدان العالم العربي والإسلامي احتفالات صاخبة في هذه الليلة يشترك فيها المسلمون مع غيرهم، وتقع فيها العديد من المعاصي والذنوب التي يفتي العلماء المسلمون بعدم جواز إقدام المسلم على فعلها.

ففي المقابل ابتكر الشباب المسلمون هذه الحملات التي تدعو للتقرب إلى الله في هذه الليلة بالذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن.

ولم يكن "فيس بوك" وحده هو الذي دار من خلاله النقاش حول قضية الاجتهاد في العبادة ليلة رأس السنة، بل شهدت منتديات ومدونات على الشبكة العنكبوتية ومجموعات على المواقع الأخرى ورسائل (إس إم إس) نقاشات مستفيضة حول القضية.

ففي السعودية تبادل عدد من الشباب دعوة أطلقوا عليها "حملة المستغفرين" تحث على الذكر والاستغفار، خاصة في ليلة رأس السنة.

والناشطون الذين تبادلوا هذه الدعوات سواء على الإنترنت أو من خلال الهواتف اعتبروها دعوة شرعية لأنهم استرشدوا بفتاوى عدد كبير من علماء ودعاة في مصر والسعودية، وهم يلتمسون من خلالها الثواب والأجر من الله؛ لأنهم يأمرون بمعروف وينهون عن منكر يرون أنه انتشر.

وهو أمر جدير بكل مسلم يؤمن بالله أن يفكر فيه خاصة وأن فتاوى العلماء التي تؤكد حرمة التشبه بالنصارى وخاصة في هذه الليلة أو تهنئتهم، أكثر مما تحصى، خاصة وأن ذلك يمس صميم العقيدة الإسلامية.

قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا" (الفرقان آية 72). قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله في تفسير الآية: (هي أعيادُ المشركين).

ولما قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ووجد الأنصار يلعبون في يومين سألهم عنهما فقالوا: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى)، فلا يجوز أن يخترع الناس أعياداً من قبل أنفسهم، ويخصصون ليلة بالاحتفال وفعل المنكرات.

فهذه الأعياد التي لغير المسلمين تعبر عن عقائدهم المخالفة لعقيدة الإسلام، فالنصارى يحتفلون بميلاد الرب في عيد الميلاد، وهذا ـ كما يقول العلماء ـ هو القولُ (الإِدُّ) كما جاء في القرآن -أي العظيمُ المنكرُ- الذي قال الله فيه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا)(مريم:88-95)، فكيف يتسنى لمسلم أن يقرأ هذه الآيات ويؤمن بها، ويعلم غضب الرب من فريتهم، ثم يقدم لهم التهاني والهدايا بمناسبة فريتهم على الله، بل سبهم له، كما في الحديث القدسي قال الله -عز وجل-: (شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي... أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِى وَلَدًا) رواه البخاري.

وأقبح من ذلك عيد القيامة الذي يحتفلون فيه بقيامة الرب من بين الأموات، فعندهم أن المسيح هو الله، وأنه قام في هذا اليوم، أفيجوز لمسلم يؤمن بالله الحي القيوم الواحد الأحد أن يهنئ على ذلك؟!

إن في اعتقاد المسلم صحة تسمية هذه المناسبات أعياداً إقراراً بهذه العقائد ورضا بها، ومناقضة لعقيدة التوحيد صراحة.
على عبد العال