جدار وضغوط لتركيع حماس والقطاع

جدار وضغوط لتركيع حماس والقطاع


قبل حوالي أسبوعين، وفي لقاء لوفد الحوار والمصالحة مع مدير المخابرات المصرية، خصَّ الأخير حركة حماس وقيادتها بوصلة هجاء من العيار الثقيل، مع تهديداتٍ مشفوعة بعشرات الضربات الشديدة على الطاولة، الأمر الذي تَمَّ فقط خلال ساعة واحدة لا أكثر بحسب ما قال لنا أحد الذين حضروا اللقاء.






إضافةً إلى التأكيد على أن أحدًا لن يكون بوسعه فرض شروطه على مصر، وكل ذلك في سياق التأكيد على أن ورقة المصالحة لن تُعدَّل بأي حال، كانت هناك تهديدات أخرى تتعلق بمعبر رفح الذي أكد صاحبنا أنه لن يُفتح من الآن فصاعدًا، إلى جانب التلويح بضربة عسكرية إسرائيلية جديدة ستكون من النوع الخاطِف الذي لن يتعدَّى ربع ساعة يتم خلالها ضرب مواقع معينة واغتيال عدد من الشخصيات، لكي يصار إلى استسلام البقية بعد ذلك.






لم يذكر المسئول إياه شيئًا عن الجدار الفولاذي الذي سيُبنى من حول قطاع غزة، بينما كشفت حكايته صحيفة
 هآرتس الإسرائيلية في اليوم التالي، وهو جدار بعمق حوالي عشرين مترًا ستكون مهمتُه منع الأنفاق التي تعدّ شريان الحياة بالنسبة لأهالي قطاع غزة.






حتى الآن راوحت القاهرة بين النفي ورفض التعليق، وإن قالت الشواهد على الأرض ومعلومات الإسرائيليين المعلنة غير ذلك، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الأنفاق التي تمدّ غزة بالحاجات الضرورية هي من اللون الذي لا يمكن منعه بغير جدار فولاذي، أم أن وراء الأمر ما وراءه؟!






الأكيد أن بوسع مصر لو أرادت أن تمنع بنسبة كبيرة، بل كبيرة جدًّا عمل الأنفاق، لا سيَّما إذا تعاونت في ذلك مع إسرائيل، لكنها لا تفعل؛ ليس رأفةً بحماس، ولكن لأنها تدرك أن وصول الحصار حدًّا لا يطاق لن يكون في صالحها من حيث الخسائر السياسية أمام الجماهير المصرية والعربية، فضلًا عن إمكانية تكرار سيناريو نهاية 2007 (هدم الجدار)، بل إن وصول الحصار إلى ذلك المستوى لن يكون في صالح إسرائيل أيضًا، هي التي لا تزال إلى الآن دولة احتلال في العُرف الدولي، مما يعني أنها مسئولة عن حياة الناس، وهو ما يفسّر تزويدها للقطاع بالوقود، أو بجزء لا بأس به منه.






لا شك أن القاهرة، وكذلك السلطة في رام الله كانتا تعولان على نهاية "كابوس حماس في القطاع" خلال الحرب التي تحلّ ذكراها الأولى بعد أيام، لكن ذلك لم يحدث، كما لم يقع الاستسلام المطلوب من حيث خضوع حماس لشروط المصالحة الهادفة إلى إخراجها من الباب الذي دخلت منه عبر انتخابات مبرمجة، وظلّ الموقف يراوح مكانه.






اليوم يمكن القول: إن قصة الجدار الفولاذي، ومعها التهديدات إياها، ليست سوى محاولة جديدة لفرض الاستسلام على حماس، لكن الذي يوازن الموقف هو أزمة الأطراف الأخرى مجتمعةً، لا سيَّما بعد تراجع أوباما عن مساره "السلميّ" على نحو أحبط أصدقاءه من جماعة "المفاوضات حياة" ودفعهم إلى الاعتراف بفشلهم طوال 18 عامًا.






هكذا تعيش السلطة مأزق نتنياهو وشروطه، لكنها تصعّد التنسيق الأمني لإثبات حسن نيَّتِها، فيما وجدت في قرار المجلس المركزي مخرجًا "غيرَ مشرِّف" لإبقاء عباس في منصبه، وكذلك حال مصر التي تعيش ذات المأزق، معطوفًا على اقتراب استحقاق التوريث وتصاعد الجدل بشأنه في الداخل، والأسوأ أن الطرف الأمريكي أيضًا لا يبدو في مزاج جيِّد بسبب الوضع في أفغانستان وعدم استقرار الوضع العراقي أيضًا، ويبقى نتنياهو الذي لا يعرف ما عليه أن يفعل، فلا هو قادر على إنجاز تسوية "مشرِّفة"، ولا هو قادر على فرض الاستسلام على الفلسطينيين، وإن استكانت الضفة الغربية بسطوة سلطتها العتيدة لسلامه الاقتصادي وهدأت غزة بسبب وضعها الصعب بعد الحرب، كما أن الوضع الدولي في مزاج تأييد حرب على القطاع تفضي إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين، بينما قضية جولدستون لم تخرج من التداول، وإن دخلت مسارات التغييب كغيرها من الإدانات لإسرائيل، ولا ننسى أزمة التعاطي مع الملف النووي الإيراني.






في هذه الأجواء لا حلَّ أمام القوم غير استمرار التهديد والضغط على حماس والقطاع، إضافةً إلى حرمان الحركة من أي إنجاز، الأمر الذي يتبدى في استمرار الحملة الشرسة على فرعها في الضفة الغربية، وكذلك التعطيل المتعمَّد لصفقة شاليط، معطوفًا على مساعٍ خرافية يساهم فيها الكثيرون بهدف الوصول إليه وتحريرِه دون دفع الثمن، لكن ذلك كله لا يقلب المعادلة التي تؤكد أن الكلّ مأزوم، فيما يبدو تيار المقاومة والممانعة، ومن ضمنِه حماس، الأقل تأزمًا رغم المعاناة والتضحيات.


الإسلام اليوم