نظرات ونظريات دنيوية... تصلح لوظائف أخروية

نظرات ونظريات دنيوية... تصلح لوظائف أخروية
الأسلوب المسمى (optimization) المثالية وإمكانية تطبيقه على الحياة الدنيوية؛ وهو طريقة متبعة في جميع مجالات الحياة في الدول المتقدمة ترمي إلى تحقيق المثالية في جميع الأمور؛ وذلك عن طريق
استغلال الموارد المتوفرة أفضل استغلال لإنتاج أفضل عائدٍ بأقل التكاليف ولأطول مدة ممكنة. كإنشاء سدٍ مثلاً أو إدارة شركة بأقل التكاليف الممكنة وبتحقيق أعلى مردود من الفائدة على المدى الطويل.








ماذا لو كثرت سيئاتنا؟ وماذا لو لم تفِ حسناتنا بتغطية النقص بها وجبرها... آه لو رجحت سيئاتنا على حسناتنا.






إنها الطامّة ومصيبة الصائب؛ إننا إذن سنعرض أنفسنا للوقوف والمساءلة والعذاب.






فما من عاقل يخاف لهب النار أن تصيب جوانبه ثم يقتصر على الحد الأدنى للعبادة لأنه لا يدري على وجهه الحقيقة أمحسن هو أم مسيء؟ حتى ولو كان مؤدّياً لها على الإخلاص والمتابعة وهذا دأب أسلافنا من الصحابة الكرام والتابعين العظام إذ كانوا يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ألا تقبل منهم. إذ ليس كل من ظن أنه أهل لدرجة نالها إلا بالجد والمثابرة. فالأولى للعبد أن يبتعد عن حافة الهاوية حتى لا يضطرب توازنه فيسقط فيها، (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) ، فإن التلميذ المجدّ الذي يسعى لنيل درجة (الامتياز) في دراسته قد لا ينالها، ولكنه إن نزل عنها بعد جدّه واجتهاده فقد يحوز على تقدير (الجيد جداً) على أقل تقدير وهذا يعني نجاته من الرسوب، أما من يسعى للنجاح وحده ولو بتقدير (مقبول) فإنه عندئذ معرض للرسوب وحينئذٍ لا يلومن إلا نفسه.






وعلى هذا فإن من الدقة في رسم شجرة اتخاذ القرار رصد جميع الاحتمالات وأخذها في الحسبان فلهذا المسار احتمالان كونه على أدنى العبادة فمن أحسن فيه كان مقتصداً ناجياً، ومن لم يحسن كان مع الظالمين، وقد كثر العابرون من خلال هذا المسار في هذا الزمان ادعاءً وظناً. فحسبوا أنهم مقتصدون فائزون (والله اعلم) ولكن كثير منهم مفّرطون على شفا جرفٍ هارٍ فليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا ويزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم.














نظرة إلى (المليارديرات) في عصرنا الحالي..






قبل عشرين إلى ثلاثين عاماً مضت في دول النفط وغيرها مثلاً لم يكن هؤلاء المليارديرات شيئاً يذكر. ومع استغلالهم لأيام (الطفرة) التي كانت في تلك الأيام استطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من ثروات طائلة، مع أنهم في بداية الأمر لم يكن لديهم من الأموال ما يميزهم عن غيرهم في ذلك الوقت، فكيف استطاعوا أن يصلوا إلى هذا الغنى الفاحش فيما لم يستطع غيرهم، مع امتلاكهم لنفس الموارد؟






بإلقاء نظرة فاحصة عليهم في تلك الحقبة من الزمن نجد أنهم استثمروا أموالهم القليلة في مجال لم يكن يستقطب إلى القلة القليلة من الناس فمعظمهم عنه غافلون، وما ذلك إلا لافتقار هذا المجال إلى المكسب العاجل ولدخول عنصر المخاطرة فيه إلى حدٍ كبير، وهذا المجال الذي نحن بصدده هو مجال العقار والاستثمار في الأراضي البعيدة عن العمران؛ خذ مثلاً على ذلك مدينة جدة بالسعودية، كانت جدة مدينة صغيرة وكان الاستثمار في قطع الأراضي البعيدة عنها والقريبة من البحر مثلاً أسعارها زهيدة جداً فقد كان سعر المتر في تلك المناطق النائية لا يتعدى عدة ريالات ولم يكن أحد يظن أن ما يفعله هؤلاء هو في الحقيقة استثمار، أو أن له أدنى قيمة، وكان أكثر الناس زاهدين فيه لأنه كما أسلفنا استثمار بعيد الأمد، بل ربما اتهموا هؤلاء المستثمرين بالجنون ودفن أموالهم في التراب، حيث كانوا يستبعدون جداً امتداد العمران إلى تلك المناطق النائية أو أنها سوف تكون ذات قيمة في يوم من الأيام.






إن هذه الثلة من أفراد المجتمع نظرت في استثمارها إلى المدى البعيد، فلم ترض بالأرباح اليسيرة العاجلة فأصبحت بذلك هي الثلة السابقة بالأموال، فقد صبروا على عقاراتهم، وكان همهم هو جمع المخططات فقط حتى مر عليها الزمن وارتفعت قيمتها بعد ذلك إلى مئات الريالات للمتر الواحد، فهم اليوم أعيان البلاد وهم طبقة التجار الميسورين المقربين إلى وجهاء المجتمع.






وأضحى أولئك الذين كانوا بالأمس يتهمونهم بالجنون ودفن أموالهم في التراب من أصحاب اللذة العاجلة , والمكاسب السريعة.. أصبحوا ينظرون إلى هؤلاء نظرة إكبار ويشيرون إليهم بالبنان، فهؤلاء هم طبقة الأذكياء الذين تاجروا بأموالهم حيث كانت البضاعة كاسدة، والسوق رخيصة، فجمعوا وجمعوا حتى تكدست لديهم الأموال، فهم في نظرهم الآن هم الأذكياء الذين أحسنوا استغلال الفرص، استطاعوا أن يدخروا لغدهم حيث ولّت الفرص إلى غير رجعة.