أرجوك احترمني



أرجوك احترمني
ناسف لعدم تمكننا من الإقلاع في الموعد وذلك لظرف خارج عن الإرادة!
كان هذا مطلع حديث كابتن الطائرة في معرض اعتذاره للركاب عن تأخر الرحلة ,وياليته سكت واكتفى بتلك الجملة !
بل أكمل حديثه موضحا تلك الظروف بأنها وجود شخصيات هامة في المطار!
وفات على الكابتن ( اللطيف) أن جميع من في الطائرة وخارج الطائرة بل البشر أجمع يرون أنفسهم شخصيات هامة وجديرة بالتقدير والاحترام بل ويتضورون (جوعا عاطفيا) ويحتاجون إلى جرعات دائمة من الإشعار بالأهمية!

من العبارات الرمزية الجميلة تلك العبارة التي تقول: في أعماق كل شخص منا هناك شخص آخر ينادي كل من يتعامل معه ويصرخ فيه قائلا: أرجوك احترمني , أرجوك لا تمر غير آبه بي!
والأمر لايتوقف على البشر فحسب ألا ترون أن أول ما تطالب به الدول هو الاعتراف بها! نعم إنها القوة الأكثر حضورا والأعمق جذورا والأبعد أثرا, 
وقد أكد في غير موطن العالم النفساني الكبير وليم جيمس هذا المفهوم بقوله :( إن أعمق الرغبات الإنسانية عند البشر وأشدها إلحاحا هي الحاجة للشعور للتقدير والاحترام !) 

ويؤكد هذا ما نلاحظه من تسابق محموم في جميع المجتمعات على شراء اللوحات والأرقام المميزة وكذلك تملك الكثير للقصور الكبيرة والتي تحوي على عشرات الغرف وقد سكنه هو وزوجته فقط!

أنها تلك الرغبة الكامنة التي جعلت (موزارت)يستوحي ويؤلف مقطوعاته الخالدة, وحفزّت (فان جوخ) على رسم لوحاته المذهلة ودفعت بالروائي العبقري (شكسبير) أن يكتب رواياته الخالدة, وهي نفس الرغبة التي دفعت ببعض المراهقين إلى العبث برؤوسهم وحلاقتها بقصات مقززة وهي كذلك من دفعت بعضهم إلى ارتداء الملابس العجيبة, وهي التي تجعل الصغير يلح على والده أن يتابعه وهو يلعب إحدى الألعاب الخطيرة أو عندما يؤدي حركة بهلوانية! أنها صرخة (الأنا الداخلية) التي ربما تجعل الكثير يتجاوز المعقول حتى يثبت للعالم أنه موجود !

هل تشكر زوجتك أو طفلك أو خادمك عندما يأتي بحاجة لك؟ هل تثمن عطاءات الآخرين وتحترمها؟ هل تحترم الآراء المخالفة ولا تسفه أو تحقر من شخصيات معتنقيها؟ هل تلاحظ نقاط القوة في من حولك وتبرزها؟ إن الأذكياء اجتماعيا لايفوتون فرصة في إشباع تلك الرغبات المستعرة والجوع النهاّش عند الآخرين , بالثناء عليهم ورصد مزاياهم و تسليط الضوء على جميل طباعهم و استحضار انجازاتهم ومع هذا الأسلوب الراقي سيبادلونهم المشاعر ويمارسون الدور ذاته معهم!

لن تكسب الآخرين ولن تتمكن من اختراق قلوبهم وعقد الصفقات النفسية ومن ثم التأثير عليهم مالم تعتقد في داخلك أنهم جديرون بالتقدير والاحترام ,يقول الدكتور جي راين : إن معاملتك للآخرين تعتمد بشدة على ما نعتقده فيهم!
ولنا في قرة أعيننا محمد اللهم صلِ وسلم عليه قدوة حسنة في احترام وتقدير الآخرين ومن يتتبع السيرة سيجد مواقف لا حصر لها تدل على هذا ومنها روي عنه : إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام ، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال : أليست نفسا؟!

وأخيرا تذكر أن من مظاهر قوة الشخصية وسلامة القلب والثقة الفائقة بالنفس النظر إلي الآخرين بنظرات الاحترام وتقديرهم و احترام معتقداتهم و أوطانهم و مهنهم وحتى ممتلكاتهم الشخصية و في هذا دلالة واضحة على امتلاك قلب سليم عاطفي كما يقول د ريدفو مدير المركز الطبي في جامعة ديوك فالقلوب الطيبة المحبة هي القلوب السليمة! وهي كذلك مظهر جلي من مظاهر احترام النفس ومن علامات رقيها 

                                        مقالات ثقافية