هل هذه مصر حقاً؟!
لماذا تسوِّف مصر في السماح لحملات التضامن والإغاثة في الوصول إلى غزة؟ وماذا يضيرها لو أنها مكنتهم من الدخول إلى القطاع وإيصال رسالتها إلى الفلسطينيين المحاصرين هناك، ثم عودتهم إلى بلادهم مرة أخرى؟ ولماذا يعلن المسؤولون المصريون على الملأ أنهم لا يمانعون في
استقبال تلك الحملات، ثم يضعون مختلف العراقيل أمامهم بعد ذلك؟
هذه الأسئلة أسوقها ليس فقط من باب التضامن مع تلك الحملات والحماس لرسالتها النبيلة، وليس فقط تقديراً لجهد أولئك الناشطين الشرفاء الذين جاءوا من أقاصي الدنيا لكي يساندوا شعب غزة المحاصر والأعزل، وإنما أيضاً حفاظاً على سمعة مصر التي أساءت إليها بشدة محاولات الصد والتثبيط والتعنت التي يتعرض لها أولئك الناشطون جراء تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. بكلام آخر فإننا إذا لم نيسِّر مهمة الناشطين لأسباب تتعلق بالتجاوب مع مشاعرهم النبيلة. فليكن ذلك من باب الحفاظ على سمعة مصر وتجنب التشهير بها وفضحها في وسائل الإعلام الغربية. ولا أعرف إن كان أصحاب القرار في هذا الشأن قد اطلعوا أم لا على الكتابات والشهادات التي تحدثت عن الموقف المصري إزاء عمليات التضامن مع فلسطينيي غزة في الصحف الغربية ومواقع الإنترنت، لكن الذي أعرفه أن تلك الكتابات انتقدت ذلك الموقف بشدة، واستخدمت في ذلك أوصافاً قاسية للغاية، بحيث لا يستطيع المرء أن يترجمها في أي صحيفة عربية. ورفع من وتيرة الغضب والسخط على الموقف المصري أن إجراءات العرقلة والتسويف التي اتخذت ضد وفود المتضامنين مع غزة، تزامنت مع فضيحة السور الفولاذي الذي أعلن عن إقامته في باطن الأرض على طول الحدود مع غزة لقطع الطريق على الأنفاق وإحكام الحصار حول غزة، وهي الأجواء التي وصفها خالد الحروب الباحث في جامعة كامبريدج وأحد كتاب صحيفة الحياة اللندنية (27/12) بأنها «تدمر موقف وسمعة مصر: أخلاقياً وقيمياً وإنسانياً وسياسياً واستراتيجياً».
لقد تحدثت قبل ثلاثة أيام عن معاناة حملة «شريان الحياة» التي نظمها النائب البريطاني جورج جالاوي، وكيف أنها ضمت أكثر من 400 ناشط من أنحاء أوروبا وافقت مصر على دخولهم فوصلوا إلى ميناء العقبة ومعهم 250 سيارة محملة بالمساعدات، أملاً في أن يعبروا الخليج إلى ميناء نويبع المصري «المسافة بين الميناءين 70 كيلو متراً»، ولكنهم أبلغوا في وقت متأخر بأن عليهم دخول الأراضي المصرية من ميناء العريش. وهو ما صدمهم وجعلهم يحتجون ويضربون عن الطعام في العقبة. وقد اضطروا بعد ذلك لأن يعودوا أدراجهم إلى الأردن ثم سوريا، لكي ينطلقوا من موانيها إلى العريش. وذلك كله منهك ومكلف جداً لهم، ويحملهم بما لا يطيقون.
المشكلة تكررت مع حملة «الحرية لغزة» التي تضم 1400 ناشط من 43 دولة، وصلت وفودهم تباعاً إلى القاهرة هذا الأسبوع، ولكن السلطات المصرية رفضت السماح لهم بالتوجه إلى رفح، وتعللت في ذلك بذرائع عدة. فعقد منظمو المسيرة مؤتمراً صحفياً وزعوا فيه بياناً ناشدوا فيه الرئيس مبارك أن يستجيب لندائهم، وتمنوا أن تقدر السيدة قرينته هدفهم الإنساني، فتطلب من زوجها السماح للمسيرة بالمرور. وقالت الناشطة الأمريكية آن رايت في المؤتمر: إنهم جمعوا عشرات الآلاف من الدولارات لشراء ملابس شتوية وأدوات مدرسية وأجهزة كمبيوتر لمدارس غزة، وأنهم دعاة سلام توقعوا أن ترحب بهم مصر وأن تدعم هدفهم النبيل، وإلى جانب هذا النداء واعتصم آخرون أمام السفارة الكندية.
المشهد مقلوب على نحو مذهل، فمن كان يتصور أن يأتي يوم يتوسل فيه الأوروبيون والأمريكيون إلى القيادة المصرية أن تسمح لهم بمد يد العون إلى غزة، لكنها ــ صدق أو لا تصدق ــ تتأبى على ذلك وتتمنع!.. ألهذا الحد ذهبنا في مجاملة الأمريكيين والإسرائيليين؟
ــــــــــــــــــــ
صحيفة الشرق القطرية
استقبال تلك الحملات، ثم يضعون مختلف العراقيل أمامهم بعد ذلك؟