اجعل من الفشل خطوة نحو النجاح


    
  اجعل من الفشل خطوة نحو النجاح
هل سمعت يومًا عن ديموستينس؟ (إنه عظيم خطباء اليونان في زمانه، عاش هذا الرجل إبان مقاومة أثينا لفيلبيوس المقدوني، وهي
فترة دفعت بفن الخطابة إلى ذروة عالية عند اليونان، وذات يوم استمع ديموستينس إلى أحد الخطباء، فهزته قوة تأثير كلماته من الأعماق، وأعجب به إعجابًا شديدًا؛ حتى أنه صَمَّم أن يصير خطيبًا.
ولكن الخطوات الأولى سرعان ما كشفت عن هزال قامة ديموستينس في هذا الصدد، وعما فسـره الناس على أنه قصور في استعداداته الطبيعية، فلقد كانت مقاييس ذلك الزمان تفرض أن يكون الخطيب مهيبًا، حسن المظهر، ذا صوت جهير، يجيد اللفتة واللمحة والإشارة، يحسن الوقف والإظهار والدغم والترقيق والتفخيم، ويخرج الكلمات مستوفاة لا عوج فيها ولا نقص.
ولكن ذلك الشاب كان ألثغ، ضعيف الصوت، سريع التنفس، مختلط مخارج الألفاظ، مما كان يفرض عليه تقطيع حديثه حتى يفقد الكلام تأثيره بل ومعناه.
تمنى ديموستينس، لكن هيهات أن ينال ما تمناه، فمن أين له بقوة التنفس وسعة الصدر، والقدرة على الحديث الطويل في الهواء الطلق.
وبدا للكثيرين أن التناقض بين ما وهب الرجل وما تتطلبه الخطابة لا يفي إلا بأن يقنع من رغبته بالإياب، فاليونان كانت تضج بفيض من الخطباء البارعين، حتى أنها لم تكن في حاجة إلى مزيد، لكن ديموستينس أدرك الموقف ـ مدفوعًا بصدق انبهاره ـ على نحو مخالف للناس تمامًا، فرأى أن الأمر في حاجة إلى جهد واعٍ منظم، فراح يطلب فن الخطابة على يد أبلغ خطباء زمانه، متبعًا البرامج المعتادة للخطباء في ذلك الزمان.
ولكن بعد انتهاء فترة التدريب، لم يثر حديثه في الناس ـ حتى بعد هذا البرنامج ـ سوى الضحك والرثاء، وبدلًا من أن يدير ديموستينس ظهره للأمر كله، على اعتبار أنه نزوة قصـرت قامته عن متطلباتها، جاء استنتاجه مخالفًا تمامًا.
إذًا فالبرنامج العادي لإعداد الخطباء لا يناسبني؛ لأنه لم يفصل على مقاسي، ومضى الرجل للتوِّ في وضع برنامج خاص به، استأجر غرفة بأحد البدرومات، اعتزل فيها الناس لمواصلة التدريبات الشاقة، وأمام المرآة جهد في تعلم التمثيل، وفي الهواء الطلق جد في تدريب أوتار صوته، وكثيرًا ما بقي وحيدًا يمارس التدريب لشهرين أو ثلاثة شهور، مغالبًا إغراء الاجتماع والاختلاط ببعض الحيل الساذجة المضحكة، كأن يحلق نصف رأسه، ويترك النصف الآخر، حتى يخجل من الظهور أمام الناس مهما استحكمت رغبته.
ولم يكتفِ الرجل بالوحدة والمثابرة، بل عمد إلى تحويل كل لقاء وكل حديث يعرض له مع الآخرين إلى مادة للتدريب الشاق الدئوب، فكان يهرع فور أن ينفرد بنفسه إلى مرآته، ويحاول أن يستعيد ما قاله الآخرون، وما قاله لهم، مجربًا كل ما يطرأ على باله من طرق التعبير، ودون إهمال لأية هفوة أو جزئية صغيرة.
هذا كما لم يتورع الرجل في سبيل الخطابة عن فعل كل ما بدا غريبًا شاذًّا ساعتها، فللتغلب على همس النطق وضعفه، كثيرًا ما كان يستعيد مقاطع طويلة من الشعر بصوت عالٍ، وهو يضع حصاة في فمه، ولتحسين قدرته على التنفس كان يواصل الصياح وهو يجري على المنحدرات حابسًا تنفسه؛ حتى يتم كمًّا محددًا من الكلمات.
وهكذا انتصر الرجل خطوة خطوة، على ما كان يتسم به من نواقص، ودعم بمثابرته الاستعدادات التي لم تبرز أو لم يهتم بتنميتها منذ مولده، وهكذا أمَّ في هذا الباب كل من كانوا يبدءون، وكأن الله حباهم بما لم يهبه إياه)[ أنت عبقري ولكن، محمد فتحي، ص(42- 44) ، بتصرف.]
النظرة إلى الفشل:
إن من أكبر العوائق التي تحول بين الإنسان وبين الخروج من نفق الإخفاقات المظلم، هو طريقة نظرته إلى الفشل وإلى الظروف المحيطة به؛ فمعظم الناس يتعلمون درسًا خاطئًا من الفشل، وهو أنهم فاشلون ولا يستطيعون تحقيق النجاح، مما يرسخ في أذهانهم قناعة العجز ويصيبهم باليأس والإحباط.
أما الناجحون من أمثال ديموستينس، فينظرون إلى الفشل باعتباره طريقة للتعلم، واكتساب خبرات جديدة تفيدهم فيما بعد، وتُبيِّن لهم الطريق الصحيح نحو النجاح.
وها هو المخترع العبقري أديسون الذي ما زال مصباحه الكهربائي يضـيء بيوتنا جميعًا، في المحاولة 99 لاختراع المصباح الكهربائي، قالوا له: ألا يكفي أنك حققت تسعة وتسعين فشلًا إلى الآن؟! فرد عليهم بقوله: (أنا لم أفشل، وإنما تعلمت أن هناك 99 طريقة لا يمكن من خلالها عمل المصباح الكهربي)، وبالفعل فقد نجحت المحاولة المائة، وتمكن أديسون من اختراع المصباح الكهربي بعدما استفاد من الخبرات المتراكمة عبر كل تلك المحاولات السابقة.
فليس هناك ما يسمى بالفشل، إنما يوجد فقط خبرات وتجارب فاشلة، أي إن إخفاق المرء في تحقيق هدف ما من خلال طريقة معينة لا يسمى فشلًا، وإنما هي تغذية بمعلومات جديدة وخبرات مكتسبة ارتدت إلى الشخص من خلال هذه التجربة.


الفشل طريق للنجاح
إنك لا تعلم حجم التغيير الذي يمكن أن يحدث في حياتك إذا غيَّرت اعتقادك أو وجهة نظرك إلى تجارب الفشل، وقديمًا قالوا: (الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك).
فالنجاح الدائم الباهر لا يولد إلا من رحم الفشل؛ لأن الفشل المتكرر هو الذي يُكسِب المرء ما يلزم للنجاح من صفات نفسية؛ كالصبر والإرادة ومن خبرات عملية كذلك، فالفرق الأساسي بين الناجح والفاشل ليس في حجم الإخفاقات، ولكن في الوجهة التي ينظر كل منهما إليها.
فبينما ينظر الناجح إلى الفشل على أنه فرصة للتعلم والبدء من جديد على ضوء خبرات مكتسبة، يرى الفاشل إخفاقه على أنه قدر مكتوب عليه لا يمكن تغييره، ويلقي باللوم على الظروف الصعبة، ويعلق تقاعسه على شماعة الواقع المر.
حوار بين ناجح وفاشلين:
قال الفاشلون: الفشل يعني أنك إنسان فاشل.
قال الناجح: كلا، الفشل يعني أني لم أُوَفَّق إلى الآن.
قال الفاشلون: الفشل يعني أنك لم تفعل شيئًا إلى الآن.
قال الناجح: كلا، الفشل يعني أني تعلمت شيئًا جديدًا.
قال الفاشلون: الفشل يعني أنك إنسان جاهل.
قال الناجح: الفشل يعني أن لدي القدرة الكافية على العمل.
قال الفاشلون: الفشل يعني أنك لن تستطيع الوصول.
قال الناجح: كلا، الفشل يعني أن عليَّ اختيار طريق آخر للوصول.
قال الفاشلون: الفشل يعني أنك تافه.
قال الناجح: كلا، الفشل يعني أني لم أصل إلى الكمال إلى الآن.
قال الفاشلون: الفشل يعني أنك أتلفت حياتك.
قال الناجح: كلا، الفشل يعني أن لدي الحجة للبداية من جديد.
قال الفاشلون: الفشل يعني أن عليك الرضوخ والتسليم للواقع.
قال الناجح: كلا، الفشل يعني أن علي المحاولة والسعي مرة أخرى بطريقة مختلفة.
كيف تغير اعتقادك في الفشل؟
والآن بعد أن علمت أن النظرة الصحيحة للفشل هي أنه تجارب للتعلم، وفرصة للبدء من جديد بخبرات جديدة، وبعد أن علمت سابقًا أن سنة الله تعالى التي تسري على نجاح الأفراد والأمم أنه في الغالب لا يكون إلا بعد سلسلة من الإخفاقات، نرجو أن يكون ذلك كافيًا في تغيير اعتقادك عن الفشل، وعن تلك الظروف التي تظن أنت أنها السبب فيه.
وإلىك الآن بعض التقنيات من علم البرمجة اللغوية العصبية التي تساعدك في تغيير هذا الاعتقاد الخاطئ عن الفشل، وبرمجة عقلك الباطن وفق النظرة الصحيحة له.
وقبل هذا نحب أن نضيف لك معلومة هامة عن العقل الباطن، وهي أنه لا يفرق بين الصورة الواقعية والصورة التخيلية، فإذا استخدم الإنسان حواسه الخمس في رسم صورة تخيلية لهدف يود تحقيقه أو اعتقاد يود برمجته في عقله الباطن، ومع تكرار هذه الصورة لفترات طويلة فإنها تستقر في العقل الباطن، ويصنفها ويتعامل مع صاحبها كأنها تحققت فعلًا، فيُفجِّر فيه الإرادة والعزيمة والطاقة اللازمة لتحقيق هذه الفكرة أو تغيير هذا الاعتقاد.
وإلىك الآن الطريقة التي تبرمج بها عقلك الباطن وفق الاعتقاد الصحيح تجاه ظروف الفشل:
أولًا ـ كيف تزيل الاعتقاد السلبي تجاه ظروف الفشل؟
1ـ دوِّن الاعتقاد السلبي تجاه الفشل في ورقة، وليكن مثلًا: الفشل يعني أنني إنسان فاشل، وظروفه الصعبة لن تمكنه أبدًا من النجاح.
2ـ دوِّن خمسة أشياء سلبية تحدث لك بسبب هذا الاعتقاد، مثال:
·      الإحساس بالعجز.
·      الإصابة بالإحباط.
·      ترسيخ قناعة أنني كتب عليَّ الفشل.
·      ضمور القدرات في شخصيتي، وعدم السعي للتطور.
·      الإحساس بالتعاسة والشقاء في الحياة.
3ـ أغمض عينيك وتخيَّل أنك قد انتقلت لمدة عام في المستقبل وأنت لا زلت على اعتقادك السلبي، لاحظ الألم والخسارة اللتين يسببهما لك هذا الاعتقاد، ولاحظ كيف يؤثر سلبًا على حياتك الشخصية والعملية والصحية والعائلية.
4ـ استمر في السير في خط إطارك الزمني، وتخيَّل أنك قد وصلت إلى خمس سنوات في المستقبل، وما زال معك نفس الاعتقاد السلبي، لاحظ الألم واشعر به، ولاحظ كيف أن هذا الاعتقاد يقيد تقدمك ويعيق نجاحك، واستشعر تمامًا كيف تحس بالأسى والشقاء في ذلك الوقت، واربط هذا الاعتقاد بكل تلك الأحاسيس السلبية من أسى وشقاء وألم.
5ـ استمر في السير في خط إطارك الزمني لمدة عشـر سنوات في المستقبل وأنت تحمل نفس هذا الاعتقاد السلبي معك، لاحظ الألم واشعر به ولاحظ كيف أن هذا الاعتقاد السلبي يقيدك ويسبب لك الكثير من الألم.
6ـ ارجع بخط الزمن إلى وقتك الحاضر وافتح عينيك، وتنفس بعمق ثلاث مرات.
7ـ كرِّر هذا التمرين يوميًّا قبل النوم وبعد الاستيقاظ منه كما سبق.
ثانيًا ـ كيف تزرع الاعتقاد المرغوب فيه تجاه ظروف الفشل؟
1ـ دوِّن الاعتقاد الإيجابي تجاه الفشل في ورقة صغيرة، وليكن مثلًا: لا يوجد فشل، وإنما هناك خبرات تكتسب.
2ـ دوِّن خمس فوائد إيجابية للاعتقاد الجديد، واستشعر البهجة التي ستحصل عليها من هذا الاعتقاد الإيجابي، مثال:
·        اكتساب المعارف والخبرات، التي تزيد من فرص النجاح.
·        زيادة تقديري لذاتي.
·        التخلص من أحاسيس الشقاء والتعاسة.
·        بروز قدراتي وإمكاناتي الحقيقية.
·        تحقيق نجاحات على مستوى طموحاتي.
3ـ أغمض عينيك وتخيَّل أنك قد انتقلت عامًا في المستقبل باعتقادك الجديد، واستشعر البهجة والسعادة التي حصلت عليها بسبب الفوائد التي جلبها لك اعتقادك الجديد؛ فيما يتعلق بحياتك الشخصية والعملية والصحية والعائلية.
4ـ استمر في السير في خط إطارك الزمني لمدة خمس سنوات في المستقبل، واشعر بالسعادة التي ستحصل عليها، ولاحظ فوائد اعتقادك الجديد.
5ـ استمر أكثر في سيرك في خط إطارك الزمني لمدة عشـر سنوات في المستقبل، اشعر بالبهجة تسـري في كل بدنك، ولاحظ كيف أن حياتك ستتحسن بهذا الاعتقاد الجديد.
6ـ عُدْ للحاضر وافتح عينيك وتنفس بعمق ثلاث مرات.
7ـ كرِّر هذا التمرين بعد التمرين السابق قبل النوم مباشرة، وبعد الاستيقاظ مباشرة.
أيها القارئ الكريم، ولا يفوتنا هنا أن ننبهك إلى أن تغيير الاعتقاد في ظروف الفشل، هو خطوة لازمة لك لكي تمضي في سبيل النجاح، ولكن ذلك وحده لا يكفي لإتمام عملية النجاح، فإن الذي يغير اعتقاده في ظروف الفشل، دون أن يتبع ذلك بعمل جاد دؤوب لتحصيل النجاح، من تحديد الأهداف، والتخطيط المتقن لتحقيقها، ثم تحويل خطته إلى واقع عملي ملموس، مع الصبر على العقبات، ومواجهة التحديات في طريق النجاح ــ فمثل هذا الشخص كالمسافر الذي يستيقظ من نومه، ثم هو لا يبدأ في رحلة السفر، فإنه لا يصل أبدًا إلى هدفه.
أما الذي ينجح في تغيير نظرته إلى الفشل، وتحويلها إلى زاد للنجاح، فإنه بذلك يكون قد أزال عقبة هامة في طريق نجاحه، وأصبح مستعدا للسير في طريقه، فالنجاح كنز ثمين، لا يفوز به إلا من بذل الجهد الذي يستحقه، فهذه سنة الله تعالى، أن من جد وجد، ومن زرع حصد، فها هو سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، ونذكرك أخيرًا بقول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني                   ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال               إذا الإقدام كان لهم ركابا


فريد مناع - مفكرة الإسلام 




                                          مقالات ثقافية